القرف والغثيان والاشمئزاز كلمات لا تستطيع أن تصف الإحساس الذى اعترانى وغمرنى حين شاهدت فيديو تحرش التحرير، هذا الفيديو الذى ظهرت فيه ضباع بشرية تنتمى زوراً وبهتاناً لبنى البشر يتحرشون بفتاة، وهذا بالطبع وصف مهذب لما حدث، لأننا نحتاج إلى نحت أوصاف جديدة لمثل هذه السفالة وهذا الإجرام والتوحش والانحطاط والتدنى غير كلمة تحرش، فالمشهد تعدى كل الحدود والتصورات، خلع ملابس فتاة حتى تتعرى كما ولدتها أمها وشباب يتسابقون كالمجانين لمجرد لمسة أو لحسة أو لقطة! وشاب آخر معدوم الإحساس والضمير يتلذذ بالتقاط هذا المشهد الشهوانى الحقير لكى يختلى به فيما بعد فى غرفته ليستفز نشوته ويداعب فحولته ويضاعف من أورجازمه، ضابط شرطة يحاول جرّ هذا اللحم البشرى العارى إلى سيارة لحمايته من هذا الزار الهستيرى، الفتاة تنزف من أثر السحل، هناك فرد ما زال لديه بقية من ضمير وإنسانية يريد سترها، ولكن الحشد المجنون المصر العنيد الهائج يريد الهتك! إنه حقاً شعب متدين بالفطرة. المدهش أن الفيديو استُغل سياسياً كالعادة من الإخوان وأُذيع أول ما أُذيع من موقع رصد كما أذاعوا من قبل فيديو نكاح الكاراتيه!! والمشكلة أن النقاش تطرق إلى سؤال يدل على اجتماع الهياجة مع الهيافة: هل حدث هذا فى عهد مرسى أم فى عهد السيسى، هل هذه النقطة هى فصل المقال ومحور النقاش؟ حدثت الآن أم حدثت منذ سنة ليس هذا هو المهم ولكن المهم أن هذا الفعل الحيوانى السافل فعله شباب مصريون، ليس مهماً التوقيت ولكن المهم والمؤسف والمخجل أنه قد حدث على أرض مصر وبأيدى مصريين وشاهده فى الميدان وعلى الهواء مباشرة شعب لديه نخوة ورجولة وكمان متدين بالفطرة! المأساة والكارثة فى اللقطة والمرعبة أكثر من تفاصيل المشهد سؤال كارثى آخر، وهو: كيف صُنع هذا المتحرش وكيف تخمرت عجينته الشيطانية فى فرن هذا المجتمع اللاإنسانى؟ ما الذى قادنا إلى أن يكون بيننا ضباع بشرية بمثل هذا الكم الرهيب وبمثل هذه الوقاحة المرعبة والتبجح الذى بلا سقف؟! ما الذى قيل لهذا المتحرش وتم حشو دماغه به لكى يستبيح عرض ولحم وخصوصية وإنسانية هذه الفتاة؟ ما الذى قيل له أسرياً واجتماعياً ودينياً وتعليمياً؟ وما الرسائل التى شكلت وجدانه البارد وعقله المغيَّب؟ قلنا له فى كتاب المطالعة: سعاد تكنس وتمسح وعادل يلعب ويمرح، قلنا له فى التليفزيون: نكاح بنت التسع سنوات حلال ما دامت تطيق الوطء، قلنا له فى السجل المدنى: احذف اسم أمك من البطاقة فهى عورة، قلنا له فى الجامع: إنهن فى قعر النار وهن أحابيل الشيطان زانيات لو تعطرن ليس على أزواجهن وبعولتهن حق تطبيبهن أو تكفينهن! قلنا له فى حوادث التحرش السابقة: إيه اللى وداها هناك؟ تستاهل اللى يجرالها، قلنا له فى الغيط: أختك لازم تتختن ونقطع لها البظر الذى يحتك بملابسها ويثير شهوتها خاصة فى بلادنا الحارة عشان تتعفف عن الرجالة، قلنا له فى البيت: اضربها وربيها واكسر لها ضلع يطلع لها اتنين ولو طلبتها للجنس ورفضت وقالت لك تعبانة العنها مع الملايكة لغاية طلوع الفجر لأنها مالهاش رأى ولا رغبة ولازم تسمع كلامك وتلبى لك رغبتك وتطفى عطشك الجنسى حتى ولو كان على سنام جمل! قلنا له وقلنا له وملأنا أذنيه وعقله ووجدانه بهذه الرسائل التى نُقشت كالوشم فى مجتمع مكبوت جنسياً يتزوج شبابه فى سن الأربعين ونصف بناته عوانس ولم يحل حتى الآن مشكلته الجنسية التى تُرجمت إلى كم تحرش شوارع وخيانات زوجية وشذوذ أخلاقى وزنا محارم، واختفى الكيف الذى هو الحب، تلك العاطفة التى باتت تطارَد وتُخنق وتُغتال ويُبحث عنها كما يُبحث عن إبرة فى كومة قش، صار الجنس ميكانيكياً بلا روح لم يعد فعل حب making love كما يطلق عليه الغرب المادى الوحش! صار وجبة لحم بشرى يُفترس بالمخالب والأنياب فى حفل دراكولى بشع بغرض سرقة لحظة نشوة مزيفة واختطاف دفقة راحة مزورة، هل بهذه الطريقة سنبنى مجتمعاً صالحاً يا شعبنا المتدين بالفطرة؟!